لا لشيءٍ،
لأنّي كنتُ سربَ حَمَامٍ ، وكانَ حقلْ . وكنتُ فيضاً، وكانَ سمَاءْ . لأنّي كنتُ بين أَمداءِ راحتيهِ أُرَاوحُ كنسمةٍ دافئة؛ كَنسمةٍ هاربةٍ منْ ربيعِ نيسان؛ كانَ ( آيوسَ ) الإله .
لا لشيءٍ،
فقط لتلكَ الأشياءِ الخَفيفةِ، لأشيائِي الرّهيفة ؛ أشيائِي الحبيبة الحبيبة. لأجلهَا، كان بزَهوهِ اللّامنكسرِ، يقفُ متحايلاً كغجريٍّ، لعوباً كنَرد، كذوباً كسارق . لأنّهُ أبداً، كانَ عصيّاً مثلَ بقعةِ صَدأ، وَمُتَشابِكاً مِثلَ عقدة سيّارات .
لأنَّي كنتُ أمَام ناظريهِ أقترفُ وَإيّاكَ خطيئةَ السّذاجة؛ نُفسِّرُ الغرابةَ بالهوَس ونَمزجُ ما بين الحبِّ والجُنون . فَهَا أنذا أعْتَلي بعَدَسَتًيْ نظارتِهِ صورةَ العالم قبلكَ، وصُورَه بعدَكْ. أعاينُ أحوال الأشياءِ قبلكَ وبعدكْ . كيف كانَ البُنُّ قبلك، وكيف كانَ الطّريق . كيف حالُ القرية وَالجديلة الغضّة , كيفَ كانَ وجه السَّماءِ وصوتُ السَاقية . وها أخرجُ ممَّا جرى و رَاح، كرمادٍ تذروه الرَّياح، أُعاينُ بعَدَسَتَيَّ المُهَشَّمَتَين، أقداحَ البُنَّ اليابسَ والطّرقَ الهائمة. أُعاينُ الجدائل المُخشوشنة و وجه السّماء الكَدِر . أُعاينُ أكمة قلبي التَّي انكمشتْ كَجَنينٍ تحتَ وَطأة الغياب، وصارت تتثَنَّى على نفسها مثلَ نرجسةً غريبةٍ رثَّةً . أُرَاقبُ معها بأسىً صوتَ (آيوسَ) المتلبِّس بالأزرار والقميص؛ صوتَ (آيوسَ ) المُضمحلّ المُتَخَفِّي ما بينَ فيافي ذاكرتي البعيدة .
فقط لأجلِ كلّ تلك الأحوالِ الغريبة .
فقطْ لأجلِ كلِّ تلكَ الأحوال العتيقةِ العتيقَة؛ أبداً كانَ يزُجُّ أشواكَهُ بحشريّةِ صبّارة، يُغَلّفُ الأقدارَ بالخَيْشِ، ويُلطِّخُ بالقارِ القاتمِ عناوينَ السّطور القادمة .
ذاك الزَّمان الرّدِيء
ذاكَ الزَّمان البعيدُ القريب
ذاكَ الزَّمان الواقفُ ما بَينَ حافَّة روحي الشَّفيفَة وَبينَ ساكنِ بئرها العميقة..!
غنوة فضة/ روائية سوريّة